الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011

اول التدوينات والله المستعان


مقدمة

لعل الجزية واحكامها من اهم الاحكام التى تحتاج الى اعادة  النظر فى موجباتها واصنافها وما طرأ  عليها من تطور واجتهادات.

وتنبع اهميتها من انها احد صور علاقتنا مع الاخر,كما ان كثير من المفكرين الاسلامين يضعها كاحد الثوابت الشرعية فى علاقة المسلمين الحاكمين للبلاد الاسلامية مع المواطنين غير المسلمين فى تلك البلاد مع ان الواقع قد تغير ومع تغير الواقع يستلزم تغير المنظور الذى سيطبق عليه احكام الجزية

وقبل ان نسهب فى البحث ربما علينا ان نعرض لوجهة النظر القائلة ان قضية الجزية قضية غير واقعية اى ان ملابستها واركان وجوبها غير موجودة فعلينا الا نعمل البحث فيها حتى تحدث.

 ومن القائلين بذالك استاذان كبيران اولهما هو الاستاذ سيد قطب ففى الظلال فى تفسير الاية 28من سورة التوبة يقول (ولا نحب هنا ان نستطرد الى الخلافات الفقهية حول من تاخذ منهم الجزية ومن لا تؤخذ منهم ولا عن مقادير تلك الجزية ،ولا عن مقادير ربطها ولا عن مواضع هذا الربط ذلك انها قضية برمتها ليست معروضة علينا اليوم ،كما كانت معروضة على عهود الفقهاء الذين افتوا فيها واجتهدوا رايهم فى وقتها .

إنها تعتبر اليوم قضية تاريخية وليست واقعية ..ان المسلمين اليوم لا يجاهدون ! ..

]من كتاب الظلال تفسير  سورة براءة  اية 29[

ونحن هنا قد نتفق و نختلف مع الاستاذ فنتفق  مع  الاستاذ سيد قطب فى ان الجزية لهااحكام متعلقة بظروف  غير متوفرة  ونختلف فى جدوى مناقشة القضية كما سنبين 

اما الاستاذ  محمد جلال كشك المفكر والؤرخ الاسلامى  فيصوغ  اعتراضه على مناقشة الفكرة فى كتابه خواطرمسلم عن الجهادو الاقليات والاناجيل كما يلى:-  

(نقطة البدء فى حديث اهل الذمة ،هو اننا نرفض الاعتراف بوجود "اهل الذمة " فى الاوطان الاسلامية القائمة . فليس المسلمون فى مصر مثلا اهل فتح ولا السلطة الاسلامية ،سلطة فاتحة لمصر حتى يصبح اقباطها اهل ذمة , وليس للمسلمين اى حق فى ميراث  عمرو بن العاص ،اكثر من حق الاقباط فيه  فالفتح وما قام وترتب عليه من علاقات سياسية وقانونية ، هو حادث تاريخى انقضى وقته .ونحن اليوم امام شعب واحد متكامل الحقوق والواجبات ، اغلبيته العظمى مسلمة واقليته مسيحية ،فليس هناك اهل ذمة ،ولا يترتب على ذلك من علاقات واوضاع ) انتهى .

فالاستاذ كشك  يلخص منهجه فى التوقف عن المناقشة فى الجزية من منطلق ان  الظروف الواقعية التى ينبنى عليها اخذ الجزية غير متوفرة ولكنه لم يتوقف عن الكلام فى تلك القضية كما فعل سابقه  ولكن تكلم وتكلم فى اكثر من مؤلف له .

لمذا اذا نتكلم فى هذة الورقات عن تلك القضية، لانها من وجهة نظرى تتمتع باهمية  نوردها كالآتى:-

1)    انها بوضعها الحالى  بدون انزال فقه الواقع عليها تبدوا ادلتها وكانها  شريعة تاريخية لا علاقة لها بالوضع الحالى

2)    ان قضية اخذ الجزية من غير المسلمين فى البلاد السلامية قد تطورت خلال العصور وتعاقب الحكومات داخل الامصار الاسلامية  وان ذلك قد غاب عن اكثرنا  حتى صار فى الذهن لا ياخذ إلا شكلا واحدا ولغرض  واحد وهو اشعار اهل الذمة بالهوان والصغار  كما فهم من كثير ممن فسروا تلك الايات من القدامى رحمهم الله جميعا وان الذمى بذالك قد اصبح مواطنا من الدرجة الثانية  لا يتمتع بكامل الحقوق والواجبات وهو ما نريد تفنيده

3)    اثبات ان المفهوم من الادلة الكريمة من قرآن او اثار صحيحة وردت فى هذا الشان انما تدل على ان الجزية هى علاقة جديدة بين الحكومة الاسلامية والمواطنين من غير المسلمين يكون بموجبها الخضوع للحكم الإسلامي وفى المقابل التمتع بالحماية من العدوان الخارجى ورد المظالم الداخلية .



اولا تعريف الجزية :-

الجزية من الفعل جزى وفى المعجم الوسيط ( الجزية ) خراج الأرض وما يؤخذ من أهل الذمة

وفى الاصطلاح: قَدِ اخْتَلَفَتْ وُجْهَاتُ نَظَرِ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِ الْجِزْيَةِ اصْطِلاَحًا تَبَعًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِي طَبِيعَتِهَا ، وَفِي حُكْمِ فَرْضِهَا عَلَى الْمَغْلُوبِينَ الَّذِينَ فُتِحَتْ أَرْضُهُمْ عَنْوَةً ( أَيْ قَهْرًا لاَ صُلْحًا ) .

فَعَرَّفَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهَا : " اسْمٌ لِمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْل الذِّمَّةِ فَهُوَ عَامٌّ يَشْمَل كُل جِزْيَةٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مُوجِبُهَا الْقَهْرَ وَالْغَلَبَةَ وَفَتْحَ الأْرْضِ عَنْوَةً ، أَوْ عَقْدَ الذِّمَّةِ الَّذِي يَنْشَأُ بِالتَّرَاضِي" .

وَعَرَّفَهَا الْحِصْنِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا : " الْمَال الْمَأْخُوذُ بِالتَّرَاضِي لإِسْكَانِنَا إِيَّاهُمْ فِي دِيَارِنَا ، أَوْ لِحَقْنِ دِمَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ، أَوْ لِكَفِّنَا عَنْ قِتَالِهِمْ " وَعَرَّفَهَا الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهَا : " مَالٌ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ كُل عَامٍ بَدَلاً عَنْ قَتْلِهِمْ وَإِقَامَتِهِمْ بِدَارِنَا " .



ثانيا الاحكام العامة للجزية

وهى تقع على ست مسائل :-

        المسألة الأولى : فأما من يجوز أخذ الجزية منه؟ فإن العلماء مجمعون على أنه يجوز أخذها من أهل الكتاب العجم ومن المجوس  واختلفوا في أخذها ممن لا كتاب له وفيمن هو من أهل الكتاب من العرب بعد اتفاقهم فيما حكى بعضهم أنها لا تؤخذ من قرشي كتابي

       المسألة الثانية : وهي أي الأصناف من الناس تجب عليهم؟ فإنهم اتفقوا على أنها إنما تجب بثلاثة أوصاف الذكورية والبلوغ والحرية، وأنها لا تجب على النساء ولا على الصبيان إذا كانت إنما هي عوض من القتل والقتل إنما هو متوجه بالأمر نحو الرجال البالغين إذ قد نهى عن قتل النساء والصبيان، وكذلك أجمعوا أنها لا تجب على العبيد.

       
واختلفوا في أصناف من هؤلاء: منها في المجنون وفي المقعد، ومنها في الشيخ، ومنها في أهل الصوامع، ومنها في الفقير هل يتبع بها دينا متى أيسر أم لا؟ وكل هذه المسائل اجتهادية ليس فيها توقيت شرعي.

       
وسبب اختلافهم مبني على هل يقتلون أم لا؟ أعني هؤلاء الأصناف.

       
وأما المسألة الثالثة : وهي كم الواجب فإنهم اختلفوا في ذلك، فرأى مالك أن القدر الواجب في ذلك هو ما فرضه عمر رضي الله عنه وذلك على أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الورق أربعون درهما، ومع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام لا يزاد على ذلك ولا ينقص منه؛ وقال الشافعي: أقله محدود وهو دينار وأكثره غير محدود وذلك بحسب ما يصالحون عليه. وقال قوم: لا توقيت في ذلك، وذلك مصروف إلى اجتهاد الإمام وبه قال الثوري؛ وقال أبو حنيفة وأصحابه: الجزية اثنا عشر درهما وأربعة وعشرون درهما وثمانية وأربعون لا ينقص الفقير من اثني عشر درهما ولا يزاد الغني على ثمانية وأربعين درهما، والوسط أربعة وعشرون درهما؛ وقال أحمد: دينار أو عدله معافر لا يزاد عليه ولا ينقص منه.

       
وسبب اختلافهم اختلاف الآثار في هذا الباب، وذلك أنه روي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافر" وهي ثياب باليمن. وثبت عن عمر أنه ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق أربعين درهما مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام. وروي عنه أيضا أنه بعث عثمان بن حنيف فوضع الجزية على أهل السواد ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثني عشر. فمن حمل هذه الأحاديث كلها على التخيير وتمسك في ذلك بعموم ما ينطلق عليه اسم جزية إذ ليس في توقيت ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم متفق على صحته، وإنما ورد الكتاب في ذلك عاما، قال: لا حد في ذلك وهو الأظهر والله أعلم. ومن جمع بين حديث معاذ والثابت عن عمر قال: أقله محدود ولا حد لأكثره. ومن رجح أحد حديثي عمر قال: إما بأربعين درهما وأربعة دنانير، وإما بثمانية وأربعين درهما وأربعة وعشرين واثني عشر على ما تقدم. ومن رجح حديث معاذ لأنه مرفوع قال: دينار فقط أو عدله معافرا لا يزاد على ذلك ولا ينقص منه.

       
وأما المسألة الرابعة : وهي متى تجب الجزية؟ فإنهم اتفقوا على أنها لا تجب إلا بعد الحول، وأنه تسقط عنه إذا أسلم قبل انقضاء الحول.

       
واختلفوا إذا أسلم بعد ما يحول عليه الحول هل تؤخذ منه جزية للحول الماضي بأسره أو لما مضى منه؟ فقال قوم: إذا أسلم فلا جزية عليه بعد انقضاء الحول كان بعد إسلامه أو قبل انقضائه، وبهذا القول قال الجمهور؛ وقالت طائفة: إن أسلم بعد الحول وجبت عليه الجزية، وإن أسلم قبل حلول الحول لم تجب عليه، وإنهم اتفقوا على أنه لا تجب عليه قبل انقضاء الحول. لأن الحول شرط في وجوبها، فإذا وجد الرافع لها وهو الإسلام قبل تقرر الوجوب، أعني قبل وجود شرط الوجوب لم تجب.

       
وإنما اختلفوا بعد انقضاء الحول لأنها قد وجبت؛ فمن رأى أن الإسلام يهدم هذا الواجب في الكفر كما يهدم كثيرا من الواجبات قال: تسقط عنه وإن كان إسلامه بعد الحول؛ ومن رأى أنه لا يهدم الإسلام هذا الواجب كما لا يهدم كثيرا من الحقوق المترتبة مثل الديون وغير ذلك قال: لا تسقط بعد انقضاء الحول.

       
فسبب اختلافهم هو هل الإسلام يهدم الجزية الواجبة أو لا يهدمها.

       
وأما المسألة الخامسة : وهي كم أصناف الجزية؟ فإن الجزية عندهم ثلاثة أصناف: جزية عنوية، وهي هذه التي تكلمنا فيها، أعني التي تفرض على الحربيين بعد غلبتهم. وجزية صلحية، وهي التي يتبرعون بها ليكف عنهم، وهذه ليس فيها توقيت لا في الواجب، ولا فيمن يجب عليه ولا متى يجب عليه، وإنما ذلك كله راجع إلى الاتفاق الواقع في ذلك بين المسلمين وأهل الصلح إلا أن يقول قائل: إنه إن كان قبول الجزية الصلحية واجبا على المسلمين فقد يجب أن يكون ههنا قدر ما إذا أعطاه من أنفسهم الكفار وجب على المسلمين قبول ذلك منهم فيكون أقلها محدودا وأكثرها غير محدود. وأما الجزية الثالثة فهي العشرية، وذلك أن جمهور العلماء على أنه ليس على أهل الذمة عشر ولا زكاة أصلا في أموالهم إلا ما روي عن طائفة منهم أنهم ضاعفوا الصدقة على نصارى بني تغلب، أعني أنهم أوجبوا إعطاء ضعف ما على المسلمين من الصدقة في شيء شيء من الأشياء التي تلزم فيها المسلمين الصدقة، وممن قال بهذا القول الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري، وهو فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بهم، وليس يحفظ عن مالك في ذلك نص فيما حكوا، وقد تقدم ذلك في كتاب الزكاة.

       
واختلفوا هل يجب العشر عليهم في الأموال التي يتجرون بها إلى بلاد المسلمين بنفس التجارة أو الإذن إن كانوا حربيين أم لا تجب إلا بالشرط؟ فرأى مالك وكثير من العلماء أن تجار أهل الذمة الذين لذمتهم بالإقرار في بلدهم الجزية يجب أن يؤخذ منهم مما يجلبونه من بلد إلى بلد العشر، إلا ما يسوقون إلى المدينة خاصة فيؤخذ منه فيه نصف العشر، ووافقه أبو حنيفة في وجوبه بالإذن في التجارة أو بالتجارة نفسها وخالفه في القدر فقال: الواجب عليهم نصف العشر؛ ومالك لم يشترط عليهم في العشر الواجب عنده نصابا ولا حولا؛ وأما أبو حنيفة فاشترط في وجوب نصف العشر عليهم الحول والنصاب وهو نصاب المسلمين نفسه المذكور في كتاب الزكاة؛ وقال الشافعي: ليس يجب عليهم عشر أصلا ولا نصف عشر في نفس التجارة ولا في ذلك شيء محدود إلا ما اصطلح عليه أو اشترط، فعلى هذا تكون الجزية العشرية من نوع الجزية الصلحية؛ وعلى مذهب مالك وأبي حنيفة تكون جنسا ثالثا من الجزية غير الصلحية والتي على الرقاب.

       
وسبب اختلافهم أنه لم يأت في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة يرجع إليها، وإنما ثبت أن عمر بن الخطاب فعل ذلك بهم؛ فمن رأى أن فعل عمر هذا إنما فعله بأمر كان عنده في ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب أن يكون ذلك سنتهم؛ ومن رأى أن فعله هذا كان على وجه الشرط، إذ لو كان على غير ذلك لذكره قال: ليس ذلك بسنة لازمة لهم إلا بالشرط. وحكى أبو عبيد في كتاب الأموال عن رجل من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام لا أذكر اسمه الآن أنه قيل له: لم كنتم تأخذون العشر من مشركي العرب؟ فقال: لأنهم كانوا يأخذون منا العشر إذا دخلنا إليهم. قال الشافعي: وأقل ما يجب أن يشارطوا عليه هو ما فرضه عمر رضي الله عنه، وإن شورطوا على أكثر فحسن. قال: وحكم الحربي إذا دخل بأمان حكم الذمي.


      
وأما المسألة السادسة : وهي في ماذا تصرف الجزية؟ فإنهم اتفقوا على أنها مشتركة لمصالح المسلمين من غير تحديد كالحال في الفيء عند من رأى أنه مصروف إلى اجتهاد الإمام، حتى لقد رأى كثير من الناس أن اسم الفيء إنما ينطلق على الجزية في آية الفيء، وإذا كان الأمر هكذا، فالأموال الإسلامية ثلاثة أصناف: صدقة، وفيء، وغنيمة.انتهى

 المصدر (بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد المالكى)













موجب الجزية

وبعد ان بينا ما اتفق وما اختلف فيه من الاحكام العامة للجزية نورد الاراء المختلفة فى ما يخص اهتمام البحث الا وهو موجب الجزية.

اختلف العلماء فيما وجبت الجزية عنه، فقال علماء المالكية: وجبت بدلا عن القتل بسبب الكفر.

وقال الشافعي: وجبت بدلا عن الدم وسكنى الدار. وفائدة الخلاف أنا إذا قلنا وجبت بدلا عن القتل فأسلم سقطت عنه الجزية لما مضى، ولو أسلم قبل تمام الحول بيوم أو بعده عند مالك. وعند الشافعي أنها دين مستقر في الذمة فلا يسقطه الإسلام كأجرة الدار.

وقال بعض الحنفية بقولنا.

وقال بعضهم: إنما وجبت بدلا عن النصر والجهاد. واختاره القاضي أبو زيد* وزعم أنه سر الله في المسألة.

(القرطبى: تفسير سورة براءة )



*العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الحَنَفِيَّة، القَاضِي، أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ اللهِ  بنُ عُمَرَ بنِ عِيْسَى الدَّبُوْسِيُّ، البُخَارِيُّ،وَلَهُ كِتَاب:(تَقْوِيم الأَدلَة)، وَكِتَاب(الأَسرَار)، وَكِتَاب (الأَمد الأَقْصَى) مَاتَ:بِبُخَارَى، سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ>



-        ومما سبق نورد ان  من الفقهاء من فقه المغزى الحقيقى من ايجاب الجزية على اهل الذمة الا وانها بديلا عن النصرة والجهاد ونجد ما نعزز به  ما وصل اليه  القاضى ابا زيد الحنفى

 ففى كتاب  مجموعة الوثائق السياسية  للعهد والخلافة الراشدة  لحميد الله حسين  نجد هذه الوثيقة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا كتاب من خالد بن الوليد لصلوبا بن نسطونا وقومه:

إنيّ عاهدتكم على الجزية والمنعة على كل ذي يد ببانقيا وبسما جميعا، على عشرة آلاف دينار سوى الخرزة القوى على قوته والمقل على قدر اقلاله فى كل سنة.

وإنك قد نقّبت على قومك وإنّ قومك قد رضوا بك. وقد قبلت ومن معي من المسلمين ورضيت ورضي قومك فلك الذمة والمنعة .فان منعناكم  فلنا الجزية وإلا فلا حتى نمنعكم.

  شهد هشام بن الوليد، والقعقاع بن عمرو، وجرير بن عبد الله الحميريّ، وحنظلة بن الرّبيع، وكتب سنة اثنتي عشرة في صفر.

 ونحن نرى ان فعل خالد بن الوليد  هو التطبيق العملى لسياسة تطبيق عهد الذمة كما فهمها السلف الاوائل

هذا ما فهمه الذين قبضوا الجزية وما عبرت عنه الحادثة المشهورة عندما قرر خالد بن الوليد الانسحاب من شمال سوريا  للضرورة العسكريةفقد قام برد الجزية لاهل سوريا لانه تخلى ،او اصبح عاجزا  عن حمايتهم  . فلو كانت عوضا عن القتل لما ردها اليهم فانه لم يقتلهم  ولم يعين على ذلك وانما كان الامر عوضا عن المنعة  والحماية  وهناك حادثة اخرى(  فعندما تمكن القائد البيزنطى من اعادة احتلال الاسكندرية .. وارتأى عمرو بن العاص رضى الله عنه –عن حق- جر الجيش الرومى الى سهول الدلتا بعيدا عن دعم السيطرة البيزنطية على البحر  ، وسقط الروم فى الشرك فزحفوا فى الدلتا  ونكلوا باهلها ونهبوا اموالهم  كعادة الروم مع اهل مصر  ثم هزمهم عمرو وحرر شمال مصر

عندها جاء القبط من اهل هذه القرى وشكوا الى عمرو ما حل بهم من النهب ومن القتل  على يد جند الروم  وقالوا (انا كنا  على صلحنا  موالين للعرب  وما حل  لك ما صنعت بنا ،كان انا ان تقاتل عنا لانا فى ذمتك وقد اصابنا ما وراء ذلك ما اصابنا ) وطالبوا عمرو بتعويضهم   و وافق عمرو والزم نفسه صراحة بان يعوضهم  فكان هذا اقرارا منه بما عليه من فرض واجب.)

بتلر (423) فتح العرب لمصر ترجمة محمود فريد ابو حديد

يقول الاستاذ جلال كشك رحمه الله :

ان الجزية كما اتفق الفقهاء وكما فهمها الذين دفعوها والذين  اخذوها  كانت مقابل اعفاء غير المسلمين  من القتال مع المسلمين . لانه لم يكن من المعقول ولا من الرحمة مطالبة الاهالى الذين فتحت بلادهم ،بالمقاتلة مع السلطة الاسلامية التى فتحت بلادهم  او معها ضد الدولة التى كانوا يعملون لحسابها ويقاتلون دفاعا عنها  او التى استزلتهم وزعت فيهم الخوف والغت من تفكيرهم وحسهم الرغبة او القدرة على مقاومة ساداتهم بالامس ،ومن ثم كانت الجزية هى حصتهم فى نفقات الدفاع عنهم وعن اوطانهم ،تلك المسؤلية التى تكفلت بها السلطة الاسلامية الجديدة . دون ان ينتقص ذلك من مواطنيتهم او حقوقهم .   انتهى





 و وثيقة اخرى مع اهل جرجان :-

معاهدة مع أهل جرجان

طب ص 2658- 2659- تاريخ جرجان لأبي القاسم حمزة بن يوسف السهمي ص 5- 6

بسم الله الرحمن الرحيم.

هذا كتاب من سويد بن مقرّن* لرزبان صول بن رزبان، وأهل دهستان وسائر أهل جرجان:

إنّ لكم الذمّة وعلينا المنعة .على اى عليكم من الجزاء فى كل سنة قدر طاقتكم على كل حالم ومن استعنا به منكم فله جزائه فى معونته عوضا عن جزائه. ولهم الأمان على أنفسهم وأموالهم ومللهم وشرائعهم. ولا يغيّر شيء من ذلك هو إليهم، ما أدّوا، وأرشدوا ابن السبيل، ونصحوا، وقروا المسلمين، ولم يبد منهم سل ولا غلّ.

ومن أقام فيهم فله مثل ما لهم، ومن خرج فهو آمن حتى يبلغ مأمنه.

وعلى أن من سب مسلما بلغ جهده. ومن ضربه حلّ دمه. شهد سواد ابن قطبة، وهند بن عمر، وسماك بن مخرمة، وعتيبة بن النّهاس وكتب في سنة ثماني عشرة.(مجموعة الوثاق السياسية للعهد النبو والخلافة الراشدة ))

*سويد بن مقرن (سويد بن مقرن بن عائذ بن ميجا بن هجير بن نصر بن أد المزني، أخو النعمان بن مقرن. وكان من رؤساء مزينة قبل الإسلام وبعده. وقد شهد بيعة الرضوان، وقد ذكر ابن سعد أنه شهد أحدًا.)

ونرى ان المفكر والشيخ الكبير الدكتور يوسف القرضاوى يدعم تلك النظرية ففى كتاب  ]غير المسلمين فى المجتمع الاسلامى [  يقول :-

ومن الناس من ينظرون إلى الأمور نظرة سطحية، فيحسبون الإسلام متعسفًا في فرضه الجزية على غير المسلمين.
ولو أنهم أنصفوا وتأملوا حقيقة الأمر لعلموا أن الإسلام كان منصفًا كل الإنصاف في إيجابه هذه الجزية الزهيدة.
فقد أوجب الإسلام على أبنائه (الخدمة العسكرية) باعتبارها (فرض كفاية) أو (فرض عين) وناط بهم واجب الدفاع عن الدولة، وأعفى من ذلك غير المسلمين، وإن كانوا يعيشون في ظل دولته.
ذلك أن الدولة الإسلامية دولة (عقائدية) أو بتعبير المعاصرين دولة (أيديولوجية) أي أنها دولة تقوم على مبدأ وفكرة، ومثل هذه الدولة لا يقاتل دفاعًا عنها إلا الذين يؤمنون بصحة مبدئها وسلامة فكرتها. وليس من المعقول أن يؤخذ شخص ليضع رأسه على كفه، ويسفك دمه من أجل فكرة يعتقد بطلانها، وفي سبيل دين لا يؤمن به، والغالب أن دين المخالفين ذاته لا يسمح لهم بالدفاع عن دين آخر، والقتال من أجله.
ولهذا قصر الإسلام واجب (الجهاد) على المسلمين؛ لأنه يعد فريضة دينية مقدسة، وعبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه، حتى إن ثواب المجاهد ليفضل ثواب العابد القانت الذي يصوم النهار ويقوم الليل . ولهذا قال الفقهاء: إن أفضل ما يتقرب به المسلم من العبادات هو الجهاد.
ولكن الإسلام فرض على هؤلاء المواطنين من غير المسلمين أن يسهموا في نفقات الدفاع والحماية للوطن عن طريق ما عرف في المصطلح الإسلامي باسم (الجزية).
فالجزية -فضلاً عن كونها علامة خضوع للحكم الإسلامي- هي في الحقيقة بدل مالي عن (الخدمة العسكرية) المفروضة على المسلمين.
ولهذا فرضها الإسلام على كل قادر على حمل السلاح من الرجال . فلا تجب على امرأة ولا صبي؛ لأنهما ليسا من أهل القتال. وقد قال عمر(لا تضربوها على النساء والصبيان )ولهذا قال الفقهاء: لو أن المرأة بذلت الجزية ليُسمح لها بدخول دار الإسلام تُمَكَّن من دخولها مجانًا، ويُرَد عليها ما أعطته؛ لأنه أخذ بغير حق، وإن أعطتها تبرعًا مع علمها بأن لا جزية عليها قُبلت منها، وتعتبر هبة من الهبات.
ومثل المرأة والصبي: الشيخ الكبير، والأعمى والزَّمِن، والمعتوه، وكل من ليس من أهل السلاح.
ومن سماحة المسلمين أنهم قرروا: أن لا جزية على الراهب المنقطع للعبادة في صومعته؛ لأنه ليس من أهل القتال (   انظر علي سبيل المثال : مطالب اولى النهى بشرح غاية المنتهى فى فقه الحنابلة  ج 1 ص96  )

يقول المؤرخ الغربي آدم متز: (كان أهل الذمة - بحكم ما يتمتعون به من تسامح المسلمين معهم، ومن حمايتهم لهم- يدفعون الجزية، كل منهم بحسب قدرته، وكانت هذه الجزية أشبه بضريبة الدفاع الوطني، فكان لا يدفعها إلا الرجل القادر على حمل السلاح، فلا يدفعها ذوو العاهات، ولا المترهبون وأهل الصوامع إلا إذا كان لهم يسار) (الحضارة الإسلامية ج ـ 1 ص 69).
على أن هناك علة أخرى لإيجاب الجزية على أهل الذمة، وهي العلة التي تبرر فرض الضرائب من أي حكومة في أي عصر على رعاياها، وهي إشراكهم في نفقات المرافق العامة، التي يتمتع الجميع بثمراتها ووجوه نشاطها، كالقضاء والشرطة، وما تقوم به الدولة من إصلاح الطرق وإقامة الجسور، وما يلزمها من كفالة المعيشة الملائمة لكل فرد يستظل بظلها مسلمًا كان أو غير مسلم. والمسلمون يسهمون في ذلك بما يدفعونه من زكاة عن نقودهم وتجاراتهم وأنعامهم وزرعهم وثمارهم، فضلاً عن صدقة الفطر وغيرها . فلا عجب أن يطلب من غير المسلمين المساهمة بهذا القدر الزهيد وهو الجزية.
ومن ثم وجدنا كتب الفقه المالكي تضع أحكام الجزية لأهل الذمة في صلب أحكام الزكاة للمسلمين.

(انظر على سبيل المثال : الرسالة لابن ابى زيد مع شرحيها لابن ناجى وزروق :ج 1ص 331 وما بعدها  حيث وضعت الجزية فى صلب ابواب الزكاة )





























الخاتمة

ومن تلك الادلة ومن تلك القراءات نطمأن الى ان الهدف من فرض الجزية هو اخضاع البلاد المفتوحة لحكم السلطة الاسلامية من ناحية ومن ناحية اخرى  الدفاع عن تلك البلاد وارساء العدل بها.

1- فهى لم تكن عوضا عن القتل  فان الله قد امرنا ان ندعوهم الى الاسلام او الى الجزية اى الى الخضوع لحكم الاسلام  لانه الحكم الذى فى ظله يمكنهم ان ينعموا بالعدل وحرية الاعتقاد فى آن واحد .

2- ان الصغار المذكور فى الايه الكريمة  المقصود منه الخضوع للسلطة الاسلامية الحاكمة وهو ما قد يتم بالخضوع للتشريعات الموضوعة من قبل السلطة الاسلامية الحاكمة.

3-ان اشتراك غير المسلمين فى واجبات القتال مع القوات الاسلامية يعفيهم من الجزية (ومن استعنا به منكم فله جزائه فى معونته عوضا عن جزائه )  وذلك ما اتفق عليه الصحابى سويد بن مقرن رضى الله عنه  فى معاهدة اهل جرجان واقره عليها  عمر بن الخطاب رضى الله عنه  (راجع وثيقةمعاهدة اهل جرجان) ، وقد نفرق هنا فى الواجبات القتالية التى يجب عليهم الانتظام تحت لوائها بين نوعين من الالجهاد وهما جهاد الدفع وجهاد الطلب  فان من المعلوم تاريخيا ان المسيحين قد اشتركوا فى العهد الحديث فى الجهاد ضد المحتل فى اكثر من حاضرةاسلامية  وهذا ما نعتبره المقابل  الذى كانت تؤخذ  الجزية من اجله ( فلك الذمة والمنعة فان منعناكم فلنا الجزية وال فلا حتى نمنعكم  )

او بشكل اخر اننا كدولة اسلامية فشلنا فى صد المعتدى ابان فترات الاحتلال  واشتركنا جميعا  مسلمين ومسيحيين فى صد هذا المحتل وطرده  ومن ثم تغير الواقع فلم نعد كمسلمين  فاتحين  ولم يعودوا هم كمسيحيين مغلوبون  ولكن هى اقرب ما تكون الحال عليه  لما كان عليه الحال فى  ما اتفق الرسول عليه مع يهود المدينةفى معاهدة المدينة المسماة بالصحيفة  وهذه هى نص المواد التى تتعلق بتنظيم العلاقة بين المسلمين وبين يهود  داخل اطار الحكومة الاسلامية  فى العهد النبوى الاول.

   بسم الله الرحمن الرحيم

(1) هذا كتاب من محمد النبي [رسول الله] بين المؤمنين والمسلمين من قريش و [أهل] يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم.

(2) أنهم أمّة واحدة من دون الناس.

(24) وأنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.

(25) وأنّ يهود بني عوف أمّة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.

(26) وأنّ ليهود بني النّجّار مثل ما ليهود بني عوف.

(27) وأنّ ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف.

(28) وأنّ ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف.

(29) وأنّ ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف.

(30) وأنّ ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف.

(31) وأنّ ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم وأثم، فإنّه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.

(32) وأنّ جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم.

(33) وأنّ لبني الشّطيبة مثل ما ليهود بني عوف، وأنّ البرّ دون الإثم.

 (المصدر مجموعة الوثائق السياسية فى العهد النبوى والخلافة الراشدة - كتابه صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار واليهود وهو دستور الدولة البلدية بالمدينة)



وقد يدفع البعض بدعوى ان تلك الصحيفة كانت ثم نسخت باية السيف  فى سورة براءة ولكن ذلك لم يكن وانما كان حكمين لظرفين ووقتين مختلفين وامكانية تطبيق الحكمين انما يتعلق بتوافر الظروف المواتية لتفعيل كليهما   ،  والله اعلم  .

                                                                                                  كتبه

                                                                                    محمد سعد الدين السياجى

انتهى فى 1/10/2011- المحلة الكبرى